كود التفعيل
U3F1ZWV6ZTExOTY3MDAxOTMxMjMxX0ZyZWU3NTQ5ODE5NjE1MDAw
الصفحات
مربع البحث

الطرف الثالث

سياسية -اجتماعية - معلومات عامة - تحليلية

إعلان

جمال حمدان وشخصية الانسان المصرى

جمال حمدان وشخصية الإنسان المصرى
قراءة في مجمل افكار المفكر "جمال حمدان"


فند الدكتور «جمال حمدان » الشخصية المصرية، مميزاتها وسلبياتها، بكلمات بديعة تحرى الصدق فيها وتعامل معها بموضوعية العلم وخرج منها بعيدًا عن تحيزه الشخصي كونه مصرًيا، فقد كان يهدف من وراء هذه الإطلالة أن يضع أمام أعين المثقفين المصرين والعامة سلبياته كي يتجنبها وميزاته كي يحرص عليها فيدعو بها إلى إعادة بناء الإنسان المصري؛ هذا هو حرص «حمدان» المثقف أن يعلو ويتسامى عن كل متغيرات الحياة، فصاغ لنا في ملحمته الخالدة وموسوعته “شخصية مصر” هذه أهم جوانب الشخصية المصرية، سواء السلبية منها أم الإيجابية، وفي السطور القادمة سوف نعرض لكم أجزاء مما كتبه عن شخصية الإنسان المصري.
من الطريف كما هو من المفيد أن نحاول حصر أهم الصفات والسمات والخصائص والمقومات التي وردت وألحقت وألصقت بالشخصية المصرية، وفي ذلك قائمة عرض أولية قابلة للتقييم بالانتخاب والاستبعاد والتصنيف والتوصيف فيما بعد، فإذا ما التقطنا عينة عشوائية من الدراسات المتناولة للموضوع، وليكن “الطابع القومي للشخصية المصرية” (1).
والتقطنا منه بالطريقة نفسها أكثر تلك الصفات والسمات تكراًرا ، فسنخرج بمجموعة مطولة يمكن أن تقع في فئات متقاربة،كما يمكن أن تتناقض وتتضارب، ودعك الآن من كونها مزايا أو عيوبًا أو إيجابيات أو سلبيات (أو سبابا!) أو غير ذلك.
فإليك مثلًا ودون ترتيب صارم:
المرح والصفاء وعند ابن خلدون “الفرح والخفة والغفلة » كذا (روح الفكاهة والنكتة والسخرية، الميل إلى الحزن، الانبساطية التي لا تميل إلى الفردية، البساطة والتعاون، حب الأسرة والأسلاف، التدين والنزعة الروحية والنزوع الديني، الغيبيات، التواكلية أو الاتكالية، الرضا )دون دونية ( القناعة، الطاعة التي لا تدعو إلى التمرد والثورة) ولكن دون غضاضة (الدعة والوداعة، الصبر، السلبية والاستعداد للسلبية وغلو السلبية وسيادية السلبية) دون ذلة أو استكانة مع ذلك (كثرة الخضوع والشعور بالتبعية، اللامبالاة، القهر وكف العدوان، المحسوبية والمحاباة، النفاق) وعند المقريزي “الدعة والجبن وسرعة الخوف والنميمة والسعي إلي السلطان .. إلخ.
ما هي خصائص الشخصية المصرية؟ التدين على رأسها.. مردودًا لحضاراتها الزراعية، بكل ما يتصل بها من سمات الصبر والدأب والجلد والتحمل، ثم المحافظة.. نتيجة للاستقرار وبسببه، فالاستقرار استمرارية، والاعتدال وإن يكن غير بعيد عن المحافظة، ولكنه يوفر هامشًا معقولًا من المرونة والتلاؤم والتغيير والحيوية التي تضمن له على أقل تقدير القدرة على التطور البطيء، التطور خطوة خطوة وبالجرعات الصغيرة، وبالتالي تضمن له البقاء الطويل على المدى البعيد، وبحكم الاعتدال فالمصري أميل للشخصية الاجتماعية المنطلقة(Extrauery) غير المنغلقة، كما أنه أجنح للتعاون منه للتنافس، ومن الاعتدال إلى الواقعية، فقد علمته البيئة والتجربة .. أي الجغرافيا والتاريخ.. احترام الواقع وعدم الانفصال عنه أو التناقض معه، وإلا فهو يهرب منه بالتدين أو يواجهه بالنكتة.
ومن المسلم به أن مصر لم تعرف كراهية الأجانب قط (Xenophobia).. بحكم موقعها وسط الدنيا، لم تعرف العنصرية أو التعصب الجنسي، ولا تاريخها، ولقد رأينا كيف امتزجت العناصر فيها كيماوًيا، وذلك بفضل قوة امتصاص نادرة، ولعل الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الناحية الدينية، فالتسامح الديني من أقدم خصائص المصري القديم، جعلته يتقبل الأديان ويقبل عليها على مر التاريخ، وليس صدفة على الأرجح أن مصر هي التي أضافت إلى المسيحية الرهبنة، وإلى الإسلام من بعدها التصوف، كما لم تعرف المذابح الدينية أو محاكم التفتيش، فقد جنب تعدد الأديان التعصب الديني وجعل التسامح ضرورة حياة، أما في الحضارة فلا يبرز في التفاعل مع الحضارة الغربية الحديثة، والمدنية المصرية اليوم تجسيم واضح لعناصر القديم والجديد، وريفنا بدوره يمثل تضاغطًا للتاريخ في أكثر من ناحية، فإلى جانب المحراث والشادوف وغيرها من أدوات القرن العشرين قبل الميلاد، نجد الجرار والخزان وغيرهما من نتاج القرن العشرين بعد الميلاد.
والواقع أن المثير حقًا في كل هذا.. هو كيف تتمتع مصر بنظرة عالمية رحبة الأفق “كوزموبوليتانية”، دون أن تفقد قوامها الذاتي، كيف أن الجوهر الدفين فيها لا ينسخ وإنما يتناسخ، ولكن يمكن أن نضعها كقاعدة .. إن مصر كلها زادت تغيرًا وتطوًرا .. زادت شخصيتها وذاتيتها تأكيدًا واستمراًرا، كأنما هي تجسيم للمثل لفرنسي المعروف (كلما تغير هذا كان نفس الشيء) حتى في الماضي البعيد .. مصر كانت “تمصير” كل جديد، تهضمه وتمثله وتفرزه كائنًا مصرًيا صميمًا .. الموجات الأجنبية ابتلعتها ومصرتها، الرعاة امتصتهم في قالبها الفيضي .. وصاروا زراعًا مستقرين، هذا عن مصر القديمة، أما اليوم فيقول «فيدون»: مصر عازفة عن أن تكون أي شيء إلا مصر, إن ملكة الحد الأوسط هي بوضوح كلمة المفتاح في شخصية مصر الحضارية، في مواجهتها للجميع، وفي التوفيق بين الماضي والحاضر، بين المحلية والعالمية، بين الأصالة والمعاصرة بين التراث والاقتباس.
قضية إعادة بناء الإنسان المصري هي ببساطة قضية هرم الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول، ودك صرحها العاتي المتهرئ، وتصفية الطغيان الفرعوني المخضرم المتقيح البغيض .. تصفية أبدية، وهي قلعة الاستبداد المصري الشوهاء المشئومة، ومن هنا فحين يأتي الحديث عن إعادة بناء الإنسان المصري والشخصية المصرية من أعلى .. من وكر السلطة الغاضبة، فلكم يبدو حديث إفك حقًّا، ولكم يبدو منتهى السخرية وقمة الاستخفاف بالحق والعقل والعلم.
أما عن سلبيات المجتمع المصري فيذكر “حمدان” الآتي:
إن معظم سلبيات وعيوب الشخصية المصرية إنما تعود أساسًا وفي الدرجة الأولى إلى القهر السياسي الذي تعرضت له ببشاعة وشناعة طوال التاريخ، هذه..  ولا سواها نقطة الابتداء والانتهاء، مثلما هي نقطة الاتفاق والالتقاء، السلطة، الحكم، النظام، الطغيان، الاستبداد، الديكتاتورية، البطش، التعذيب، التنكيل، الإرهاب، الترويع، التخويف، تلك هي الآفة الأم وأم المأساة.
ومن هنا يجمع الكل على أن النعمة الأساسية أو اللحن الخفي المستمر وراء الشخصية المصرية في علاقتها بالسلطة، ومفتاح هذه العلاقة التعسة، هو العداء المتبادل والريبة المتبادلة، هي الحب المفقود .. والبغض الموجود .. بلا حدود.
“روح السماحة والدماثة” المقولة تلك هي أيضًا المسئولة الأولى عن واحد من أخطر عيوب مصر، وهي أنها تسمح للرجل العادي المتوسط، بل “للرجل الصغير” بأكثر مما ينبغي .. وتفسح له مكاًنا أكبر مما يستحق.
وفي الوقت نفسه، وكأنما تضيف الإهانة إلى الجرح، فإنها على العكس تضيق بالرجل الممتاز، إذ لا مكان له في توسطها ووسطيتها، وأفضل مكان له خارجها، فشرط النجاح في مصر أن تكون اتباعًا لا ابتداعًا، ومواليًا لا معارضًا(4).
“من المركزية إلى الطغيان” فلا جدال أن الدولة المركزية، والمركزية العارمة ملمح ملح وظاهرة جوهرية في شخصية مصر، فبقوة المركزية الجغرافية.. فرضت المركزية السياسية والإدارية نفسها فرضًا، في شكل حكومة طاغية الدور.. فائقة الخطر، وبيروقراطية متضخمة وعاصمة كبرى.. منذ الفرعونية وحتى اليوم، ومنذئذ وإلى الآن كقاعدة أيضًا.. أصبحت المركزية والحكومة البيروقراطية والعاصمة أطرافًا أربعة أو مترادفة لمشكلة مزمنة”(5).
وسواء أكانت مصر أم الدنيا أو أم الديكتاتورية .. أو كان حاكم مصر هو أقدم أمراضها .. كما يذهب البعض، فلا شبهة أن الديكتاتورية هي النقطة السوداء والشوهاء في شخصية مصر بلا استثناء، وهي منهج كل السلبيات والشوائب المتوغلة في الشخصية المصرية حتى اللحظة، ليس على المجتمع فحسب، ولكن الفرد أيضًا، ليس في الداخل فقط، ولكن في الخارج كذلك(6).
“ولقد تغيرت مصر الحديثة في جميع جوانب حياتها.. بدرجات متفاوتة، إلا نظام الحكم الاستبدادي المطلق.. والفرعونية السياسية وحدها، فهي لا تزال تعيش بين أو فوق ظهرانينا بكل ثقلها وعتوها، وإن تنكرت في صيغة شكلية ملفقة هي الديمقراطية الشرقية، أو بالأحرى الديموكتاتورية ، والمؤكد أن مصر المعاصرة لن تتغير جذريًا، ولن تتطور إلى دولة عصرية وشعب حر، إلا حين تدفن الفرعونية السياسية مع آخر بقايا الحضارة الفرعونية”.
“والحقيقة أن الحكومة هي كل شيء في مصر، تحكم كل شيء، ووحدها تملك كل شيء، بما في ذلك الحكمة والرأي الصواب وفصل الخطاب، ولما كانت الحكومة ملك الحاكم والوطن ملك الحكومة، فإن مصر في النهاية ليست شعبًا له حكومة بقدر ما هي حكومة لها شعب، حتى ما يسمى في مصر الثورة.. هو حكومي أيضًا، انقلاب عسكري.. أليس انقلابًا من الدولة على الدولة؟ انقلاب جزء من الدولة على الدولة..” (7).
“لقد تحرر الإنسان المصري أخيرًا.. أو يوشك على التحرر من التخلف، ولكنه لم يتحرر قط أو بعد من السر، لقد ظفر بالتنمية نسبيًا، لكنه لم يظفر بالحرية إطلاقًا، أصبح إنسانًا متقدمًا نوعًا.. ولكنه ليس إنسانًا حرًّا حقًّا”(8).
“ومصر التي كانت ومازالت هي حاكمها، لن تتطور وتصبح شعبًّا حرًّا، إلى أن تصبح هي شعبها لا حاكمها، وإلى أن تصبح ملكًا لشعبها، راقيًا عزيزًا أبيًّا في دولة حقيقية متقدمة ومتطورة، إلا إذا صار الشعب هو الحاكم والحاكم هو المحكوم. في كلمة واحدة، لن تتغير مصر في جوهرها الدفين.. ولا مستقبل لمصر.. إلا حين يتم دفن آخر بقايا الفرعونية السياسية والطغيان الفرعوني”(9).
“وبالمثل إذا كانت مصر لم تعرف طبقة حاكمة، فإنها لسوء الحظ عرفت العصابة الحاكمة (ولا نقول أحيانًا الحثالة الحاكمة)، بمعنى عصبة مغتصبة تستمد شرعيتها من القوة غير الشرعية، ومن هنا فلئن كانت مصر الطبيعية حديقة لا غاية، فقد كانت على العكس بشريًا غابة لا مرعى لا مزرعة، وكثيرًا ما كانت إلى حد بعيد حكومة بلا شعب سياسيًا، وشعبًا بلا حكومة اقتصاديًا”(10).

تعليقات

نموذج الاتصال
الاسمبريد إلكترونيرسالة